ناصرة العبدلاوي ابنة اقليم الناظور تحكي تجربتها في مملكة النرويج وتفاصيل عن حياتها الشخصية
أكملت ناصرة العبدلاوي 32 سنة من الاستقرار في مملكة النرويج؛ لكن ذكريات عيشها في بني شيكر وبني أنصار والناظور، بمنطقة الريف المغربية، لا تزال حاضرة لديها بمجمل التفاصيل التي ارتبطت بسنوات الطفولة والشباب، خاصة كيفية إقبالها على مقاعد الدراسة وسط بيئة محافظة يصعب إقناعها بتعليم الإناث.
كان طموح ممارسة الطب أو الصيدلة ملازما لناصرة طيلة عيشها في المغرب؛ بل حظيت بفرص سانحة لتحقيق هذا المراد قبل أن تنخرط في تجربة هجرة ساقتها إلى الثبات في منطقة إسكندنافيا، ثم جرفتها طموحات بديلة إلى التخصص في علوم التربية والتكوين والظفر بشغف كبير في ممارسة مهنة التدريس بالنرويج.
سنوات الريف
ازدادت ناصرة العبدلاوي سنة 1969 في منطقة بني شيكر المنتمية إلى إقليم الناظور، على بُعد كيلومترات قليلة من مدينة مليلية المحتلة، إذ رأت النور في قرية صغيرة تتسم بممارسات محافظة تصل إلى درجة التردد في تشجيع الفتيات على الدراسة والتحصيل في المؤسسات التعليمية الحكومية.
وتقول ناصرة: “أعتبر نفسي محظوظة لأنني دخلت إلى كتاب قرآني في الخامسة من عمري، وقد تعلمت الكتابة في زمن قياسي يعادل 3 أيام فقط.
وبعدها، وافقت أسرتي على ذهابي إلى المدرسة بداعي مرافقة أخي الصغير في مساره التعليمي؛ لكنني راكمت التفوق سنة بعد أخرى، حتى وصلت إلى المستوى الجامعي”.
تدرج تعلم العبدلاوي حتى الحصول على شهادة الباكالوريا من ثانوية محمد بن عبد الكريم الخطابي في مدينة الناظور، بميزة “حسن” سنة 1989، ثم نجحت في تخطي مباراة الولوج إلى كلية الطب والصيدلة في العاصمة الرباط؛ لكن إقبالها على هذا التكوين الأكاديمي أحاطت به ظروف جعلتها لا تستمر أكثر من 6 أشهر.
قرار الرحيل
تعترف ناصرة العبدلاوي بأنها كانت تسير على خطى أبناء دُفعتها في المرحلة الثانوية، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، في البحث عن فرص مواتية للهجرة من أجل الدراسة في بلدان القارة الأوروبية، وأنها حظيت بالقبول في إحدى كليات الصيدلة الفرنسية دون أن تتمكن من خوض التجربة.
وتفسر قائلة: “كان هذا التوجه سائدا وقتها؛ لكنني لم أذهب إلى فرنسا بسبب العادات والتقاليد المرتبطة بأسرتي. كان من الصعب أن أتنقل كفتاة إلى الرباط بغرض استكمال تعليمي العالي، فكيف يتم السماح لي بالتوجه إلى خارج المغرب من أجل القيام بذلك؟ لكن الأوضاع تغيرت في المرحلة الموالية”.
نجحت العبدلاوي في الالتحاق بالنرويج سنة 1990 بغرض الإقبال على مسار دراسي في هذا البلد الإسكندنافي، مستفيدة من دعم أخ لها استقر في هذه الدولة قبلها؛ لكن الأقدار جعلت المنحدرة من بني شيكر تنشئ نواة أسرية وتتفرغ لتربية 4 أبناء، وما يعنيه ذلك من إخضاع مسارها في الهجرة إلى تعديلات بالجملة.
راحة في الشريعة
لا تتردد ناصرة العبدلاوي في اعتبار محاولاتها البدئية للاندماج في فضاء العيش النرويجي “محتشمة”، وأن ذلك قد تم بكيفية صعبة من ناحيتها ومن ناحية مجتمع بلد الاستقرار أيضا. وتفسر: “الصعوبة ازدادت حدتها بسبب كيفية تعاملي مع المحيطين بي وقتها، إذ كنت حذرة جدا في جميع معاملاتي”.
وتضيف ناصرة: “الاندماج في الرباط كان صعبا علي أيضا، ومن المؤكد أن هذه الصعوبة ستأتي بحدة أكبر في النرويج.. لذلك، توليت الأخذ بزمام المبادرة، في وقت لاحق، من خلال تعلم اللغة النرويجية عن طريق مشاهدة التلفزة والاستماع للإذاعة والإقبال على المطالعة. وفي سنة 2002، قررت استئناف الدراسة بالمراسلة مع المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية، في شعبة الدراسات الإسلامية، وحصلت على الإجازة في الشريعة”.
وتعتبر العبدلاوي، بخصوص التحلي بالشجاعة من أجل الانخراط في التكوين الأكاديمي العالي، أن المواسم الأربعة التي قادتها إلى الحصول على شهاد الإجازة قد عادت عليها بنفع كبير وزادت تقوية شخصيتها، كما أتاحت لها إعادة التعرف على نفسها وثقافتها ودينها، وأن تعي ضرورة توفرها على دور بين ذوي الأصول الأجنبية في النرويج.
السبيل إلى التدريس
أفلحت ذات الأصل الريفي المغربي، ما بين سنتَي 2006 و2009، في الحصول على تكوين ضمن مهن التربية والتكوين بالمدرسة العليا للأساتذة، مستثمرة قدراتها التحصيلية للظفر بشهادة التخرج في ظرف ثلاثة مواسم لا غير؛ مستدعية الانتباه إلى اجتيازها كافة الاختبارات قبل موسم واحد من الموعد المحدد لدفعتها.
وتقول ناصرة: “تجربتي الدراسية منحتني فكرة واضحة عن مستوى التعليم في كل من المغرب والنرويج. وأعتبر أن الطريقة التي تعلمت بها في الوطن الأم تبقى أكثر صعوبة بالمقارنة مع النموذج النرويجي. لذلك، سار تعليمي بكيفية أسهل وأسرع ما بعد الهجرة، وأقبلت على نيل ماجستير في التربية وطرق التعليم سنة 2011 بالموازاة مع اشتغالي في إحدى المدارس”.
تعتبر العبدلاوي أن مسارها المهني سار بتوازٍ مع الأولوية التي منحتها لرعاية أبنائها، والحفاظ على أسرتها، إذ كانت الانطلاقة من التدريس في روض للأطفال قبل إكمال الدراسة العليا، ثم بقي ملازما للطور الابتدائي، متعاملا مع الفئة العمرية الكائنة من 9 سنوات إلى 13 سنة، على الرغم من أن تخصصها في تلقين المواد العلمية يتيح لها الاشتغال مع تلاميذ وطلبة في عمر أكبر.
مبادرات جمعوية
العيش في المجتمع النرويجي يفرز تعطش ذوي الأصول الأجنبية إلى معرفة الآخرين، حسب ناصرة العبدلاوي، وبالتالي يعد من الضروري على متعددي الثقافات الانخراط في أنشطة مدنية موازية تشجعهم على تحقيق الاندماج وتساير رغباتهم في عدم الوصول إلى مرحلة الانصهار التام.
“بداية نشاطاتي الجمعوية ارتبطت بجمعية لأمهات وآباء وأولياء التلاميذ، حيث كان يدرس أبنائي، وجاءت نتيجة اكتساب خبرة محترمة بفضل العضوية ضمن مجلس الإدارة لسنوات طويلة، واتصلت بتفعيل مبادرات تقرب ذوي الأصول الأجنبية من المجتمع النرويجي والمدرسة، على حد سواء”، تعلن ناصرة.
وفي هذا الإطار، ارتبط العمل الجمعوي للعبدلاوي بتدخلات؛ منها، على وجه الخصوص، تأسيس جمعية نسوية سنة 2013 باسم “دار القرآن”، وجعلها تهدف إلى الاهتمام بالمرأة المسلمة المنحدرة من أصول أجنبية، حيث تعكف على التأطير ضمن ميادين عديدة من خلال ندوات ثقافية ورحلات بينها ما قصد مدينة مراكش المغربية.
حصاد متواصل
تنفي ناصرة العبدلاوي أن يكون في مسارها ما يدفعها إلى الندم، وأنها تفتخر بكون تركيزها انصب دائما على التوفيق بين مسارها الدراسي والمهني، من جهة، والعناية بكل أفراد أسرتها الصغيرة، من جهة أخرى، مشددة على أن هذه الثانية يقابلها التمسك بالبقاء مندمجة في المجتمع النرويجي دون التفريط في الهوية الأصلية.
وتقول المنتمية إلى شريحة “مغاربة إسكندنافيا” إنها تنتمي إلى جيل صادف تحديات لضمان تواجده في أبسط المواقع بالنرويج؛ بينما وجد اللاحقون بعض الأساسيات حاضرة مسبقا، ثم تعبر بفخر كبير عن مساهمتها في تأطير أبنائها الأربعة بعدما صار الأول محاميا، بينما ابن ثان اقترب من التخرج طبيبا، وابنتها تواصل التطور من خلال دراسة الطب النفسي.
أما بخصوص تطلعاتها المستقبلية فإن العبدلاوي تؤكد رضاها التام على الدور الذي تلعبه في المجتمع النرويجي، سواء من حيث مهمة التدريس التي تتولاها بحماسة أو عبر النشاطات الجمعوية التي تقبل عليها بلا تردد؛ لكنها تشدد على طموحها في الدخول إلى الكتابة والتأليف من أجل إغناء هذا الميدان بمجموعة من الأفكار التي تتوفر عليها.
النجاح بالتعاون
توصي ناصرة العبدلاوي المقررين الهجرة نحو الدنمارك بتذكر الكيفية التي يحسمون بها هذا التوجه؛ لأنها ستصير لحظة مفصلية تلازمهم تفاصيلها في باقي سنوات حياتهم، وستغدو أحد المحفزات لإعلاء أدائهم عند مصادفة أي نوع من العراقيل.
وتقول العبدلاوي: “تعلم لغة بلد الاستقرار تبقى أول مفاتيح المسار الجديد. لذلك، على الواصلين إلى النرويج إعطاء أهمية قصوى لهذا الأمر وجعله أولوية؛ لأن ضبط لسان أهل البلد يتيح التواصل مع المجتمع والاستفادة من أكبر قدر من الفرص المتاحة”.
“الرفقة الجيدة تؤثر بشكل إيجابي على المرء. لذلك، أعتبر أن الباحثين عن تحقيق طموحاتهم وأحلامهم ملزمون بانتقاء من يحيطون بهم، وأن يحاولوا اختيار التواجد بجانب أفضل من يلاقونهم، وأن يحرصوا على التعاون مع غيرهم لاقتصاد الجهد المبذول وتقسيطه على امتداد المسارات”، تختم ناصرة العبدلاوي.
طارق العاطفي | أمين الخياري
The post ناصرة العبدلاوي ابنة اقليم الناظور تحكي تجربتها في مملكة النرويج وتفاصيل عن حياتها الشخصية appeared first on zaiocity.net | زايوسيتي.نت.
